سورة يونس - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ} في قولهم للأصنام إنها آلهة وإنها شفعاء عند الله والمراد بالأكثر الجميع {إِلاَّ ظَنّا} بغير دليل وهو اقتداؤهم بأسلافهم ظناً منهم إنهم مصيبون {إَنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق} وهو العلم {شَيْئاً} في موضع المصدر أي إغناء {إِنَّ الله عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} من اتباع الظن وترك الحق.
{وَمَا كَانَ هذا القرءان أَن يفترى مِن دُونِ الله} أي افتراء من دون الله، والمعنى وما صح وما استقام أن يكون مثله في علو أمره وإعجازه مفترى {ولكن} كان {تَصْدِيقَ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ} وهو ما تقدمه من الكتب المنزلة {وَتَفْصِيلَ الكتاب} وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع من قوله {كتاب الله عليكم} [النساء: 24] {لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبّ العالمين} داخل في حيز الاستدراك كأنه قال: ولكن كان تصديقاً وتفصيلاً منتفياً عنه الريب كائناً من رب العالمين، ويجوز أن يراد: ولكن كان تصديقاً من رب العالمين وتفصيلاً منه لا ريب في ذلك، فيكون {من رب العالمين} متعلقاً ب {تصديق} و{تفصيل} ويكون {لا ريب فيه} اعتراضًاً كما تقول: (زيد لا شك فيه كريم) {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} بل أيقولون اختلقه {قُلْ} إن كان الأمر كما تزعمون {فَأتُواْ} أنتم على وجه الافتراء {بِسُورَةٍ مّثْلِهِ} أي شبيهة به في البلاغة وحسن النظم فأنتم مثلي في العربية {وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله} أي وادعوا من دون الله من استطعتم من خلقه للاستعانة به على الإتيان بمثله {إِن كُنتُمْ صادقين} أنه افتراء {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن في بديهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره، وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم. ومعنى التوقع في {ولما يأتهم تأويله} أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل تقليداً للآباء، وكذبوه بعد التدبر تمرداً وعناداً، فذمهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم به، وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علو شأنه وإعجازه لما كرر عليهم التحدي وجربوا قواهم في المعارضة وعرفوا عجزهم عن مثله فكذبوا به بغياً وحسداً.
{كذلك} مثل ذلك التكذيب {كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني كفار الأمم الماضية كذبوا رسلهم قبل النظر في معجزاتهم وقبل تدبرها عناداً وتقليداً للآباء، ويجوز أن يكون معنى {ولما يأتهم تأويله} ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب أي عاقبته حتى يتبين لهم أهو كذب أم صدق، يعني أنه كتاب معجز من جهتين من جهة إعجاز نظمه ومن جهة ما فيه من الإخبار بالغيوب فتسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حد الإعجاز وقبل أن يجربوا إخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين}


{وَمِنْهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ} بالنبي أو بالقرآن أي يصدق به فيه نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند بالتكذيب {وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ} لا يصدق به ويشك فيه، أو يكون للاستقبال أي ومنهم من سيؤمن به ومنهم من سيصر {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين} بالمعاندين أو المصرين {وَإِن كَذَّبُوكَ} وإن تمّوا على تكذيبك ويئست من إجابتهم {فَقُل لّي عَمَلِي} جزاء عملي {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} جزاء أعمالكم {أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِئ مّمَّا تَعْمَلُونَ} فكل مؤاخد بعمله {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعملت الشرائع ولكنهم لا يعون ولا يقبلون فهم كالصم {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ} أتطمع أنك تقدر على إسماع الصم ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم، لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوي الصوت، فإذا اجتمع سلب العقل والسمع فقد تم الأمر.


{وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} ومنهم ناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لا يصدقون {أَفَأَنْتَ تَهْدِى العمى وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ} أتحسب أنك تقدر على هداية العمي ولو انضم إلىّ فقد البصر فقد البصيرة، لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يحدس، وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء يعني أنهم في اليأس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمي الذين لا عقول لهم ولا بصائر {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} {ولكنِ الناس} حمزة وعلي. أي لم يظلمهم بسلب آلة الاستدلال ولكنهم ظلموا أنفسهم بترك الاستدلال حيث عبدوا جماداً وهم أحياء {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} وبالياء: حفص {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّنَ النهار} استقصروا مدة لبثهم في الدنيا أو في قبورهم لهول ما يرون {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} يعرف بعضهم بعضاً كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلاً وذلك عند خروجهم من القبور، ثم ينقطع التعارف بينهم لشدة الأمر عليهم {كأن لم يلبثوا} حال من {هم} أي نحشرهم مشبهين بمن لم يلبثوا إلا ساعة. و{كأن} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي كأنهم. و{يتعارفون بينهم} حال بعد حال، أو مستأنف على تقديرهم يتعارفون بينهم {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله} على إرادة القول أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك، أو هي شهادة من الله على خسرانهم، والمعنى أنهم وضعوا في تجارتهم وبيعهم الإيمان بالكفر {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} للتجارة عارفين بها وهو استئناف فهي معنى التعجب كأنه قيل ما أخسرهم {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ} من العذاب {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل عذابهم {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} جواب {نتوفينك} وجواب {نرينك} محذوف أي وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك، أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه في الآخرة {ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها وهو العقاب كأنه قيل: ثم الله معاقب على ما يفعلون. وقيل: {ثم} هنا بمعنى (الواو).

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9